كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد قال عمر بن الخطاب للصحابة: ما تقولون في {إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله والفتح} [النصر: 1] السورة؟ قالوا: أمر الله نبيه إذا فتح عليه أن يستغفر. فقال لابن عباس: ما تقول أنت؟ قال: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه إياه. فقال: ما أعلم منها غير ما تعلم. إلى أن قال رحمه الله:
والمقصود تفاوت الناس في مراتب الفهم في النصوص. وأن منهم من يفهم في الآية حكمًا أو حكمين. ومنهم من يفهم منها عشرة أحكام أو أكثر من ذلك. ومنهم من يقتصر في الفهم على مجرد اللفظ دون سياقه ودون إيمائه وإشارته وتنبيهه واعتباره. وأخص من هذا وألطف ضمه إلى نص آخر متعلق به، فيفهم من اقترانه به قدرًا زائدًا على ذلك اللفظ بمفرده.
وهذا باب عجيب من فهم القرآن، لا يتنبه له إلا النادر من أهل العلم، فإن الذهن قد لا يشعر بارتباط هذا بهذا وتعلقه به: كما فهم ابن عباس من قوله تعالى: {حَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] مع قوله: {والوالدات يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] أن المرأة قد تلد لستة أشهر.. إلى آخر كلامه رحمه الله.
وإنما أكثرنا في هذه المباحث من نقل كلام ابن القيم رحمه الله كما رأيت. لأنه جاء فيها بما لم يأت به من تقدمه ولا من تأخر عنه تغمده الله برحمته الواسعة، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرًا. وقد تركنا كثيرًا من نفائس كلامه في هذه المواضيع خشية الإطالة الكثيرة.
المسألة السابعة:
اعلم أن استهزاء الظاهرية وسخريتهم بالأئمة المجتهدين رحمهم الله، ودعواهم أن قياساتهم متناقضة ينقض بعضها بعضًا، وأن ذلك دليل على أنها كلها باطلة وليست من الدين في شيء إذا تأمل فيه المنصف العارف وجد الأئمة رحمهم الله أقرب في أغلب ذلك إلى الصواب، والعمل بما دلت عليه النصوص من الظاهرية الساخرين المستهزئين.
وسنضرب لك بعض الأمثلة لذلك لتستدل به على غيره.
اعلم أن من أعظم المسائل التي قال فيها الظاهرية بتناقض أقيسة الأئمة، وتكذيب بعضها لبعض، وأن ذلك يدل على بطلان كل قياس من أقيستهم، هي مسألة الربا التي قال فيها النَّبي صلى الله عليه وسلم: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، يدًا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى».
قال الظاهرية: فالنَّبي صلى الله عليه وسلم إنما حرم الربا في الستة المذكورة. فتحريمه في شيء غيرها قول على الله وعلى رسوله، وتشريع زائد على ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: والذين زادوا على النص أشياء يحرم فيها الربا اختلفت أقوالهم، وتناقضت أقيستهم. فبعضهم يقول: التمر، والبلوط ثمر شجر يؤكل ويدبغ بقشره. وبعضهم يقول هي الكبل. وبعضهم يقول هي الاقتيات والادخار... إلخ.
فهذه أقيسة متضاربة متناقضة فليست من عند الله، وإذا تأملت في هذه المسألة التي سخروا بسببها من الأئمة، وادعوا عليهم أنهم حرموا الربا في أشياء لا دليل على تحريمه فيها كالتفاح عند من يقول العلة الطعم كالشافعي، وكالأشنان عند من يقول العلة الكيل علمت أن الأئمة أقرب إلى العمل بالنص في ذلك من الظاهرية المدعين الوقوف مع ظاهر النص. أما الشافعي الذي قال: العلة في تحريم الربا الطعم فقد استدل لذلك بما رواه مسلم في صحيحه: حدثنا هارون بن معروف، حدثنا عبدالله بن وهب، أخبرني عمرو ح وحدثني أبو الطاهر، أخبرنا ابن وهب عن عمرو بن الحرث: أن أبا النضر حدثه أن بسر بن سعيد حدثه عن معمر بن عبدالله: أنه أرسل غلامه بصاع قمح.. الحديث، وفيه. فإني كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الطعام بالطعام مثلًا بمثل» وكان طعامنا يومئذ الشعير فهذا حديث صحيح صرح فيه النَّبي صلى الله عليه وسلم بأن الطعام إذا بيع بالطعام بيع مثلًا بمثل. والطعام في اللغة العربية: اسم لكل ما يؤكل. قال تعالى: {كُلُّ الطعام كَانَ حِلًا لبني إِسْرَائِيلَ} [آل عمران: 93] الآية، وقال: {فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الماء صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الأرض شَقًّا فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا} [عبس: 24- 28]، وقال تعالى: {وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ} [المائدة: 5] ولا خلاف في ذبائحهم في ذلك. وفي صحيح مسلم: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال في زمزم: «إنها طعام طعم» وقال لبيد في معلقته:
لمعقر فهد تنازع شلوه ** غبش كواسب ما يمن طعامها

يعني بطعامها فريستها. كما قدمنا هذا مستوفى في سورة البقرة.
فالشافعي رحمه الله وإن سخر الظاهرية منه في تحريمه الربا في التفاح فهو متمسك في ذلك بظاهر حديث صحيح، يقول فيه النَّبي صلى الله عليه وسلم: «الطعام بالطعام مثلًا بمثل» فما المانع للظاهرية من القول بظاهر هذا الحديث الصحيح على عادتهم التي يزعمون فيحكمون على الطعام بأنه مثل بمثل؟ وما مستندهم في مخالفة ظاهر هذا الحديث الصحيح؟ وحكمهم بالربا في البر والشعير والتمر والملح دون غيرها من سائر المطعومات، مع أن لفظ الطعام في الحديث المذكور عام للأربعة المذكورة وغيرها كما ترى، فهل الشافعي في تحريم الربا في التفاح أقرب إلى ظاهر النص أو الظاهرية؟ وكذلك سخريتهم من الإمام أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله في قولهما بدخول الربا في كل مكيل وموزون، مستهزئين بمن يقول بالربا في الأشنان قياسًا على التمر. إذا تأملت فيه وجدت الإمامين رحمهما الله أقرب في ذلك إلى ظاهر النص من الظاهرية.
قال الحاكم في المستدرك: حدثنا أبو بكر أحمد بن سليمان الفقيه، ثنا الحسن بن مكرم روح بن عبادة، ثنا حيان بن عبيدالله العدوي قال: سألت أبا مجلز عن الصرف فقال: كان ابن عباس رضي الله عنهما لا يرى به بأسًا زمانًا من عمره ما كان منه عينًا يعني يدًا بيد، فكان يقول: إنما الربا في النسيئة. فلقيه أبو سعيد الخدري فقال: يا ابن عباس، ألا تتقي الله إلى متى تؤكل الناس الربا؟ أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم وهو عند زوجته أم سلمة: «إني لأشتهي تمر عجوة» فبعثت صاعين من تمر إلى رجل من الأنصار فجاء بدل صاعين صاع من تمر عجوة. فقامت فقدمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه أعجبه، فتناول تمرة ثم أمسك فقال: «من أين لكم هذا»؟ فقالت أم سلمة: بعثت صاعين من تمر إلى رجل من الأنصار فأتانا بدل صاعين هذا الصاع الواحد، وها هو، كل، فألقى التمرة بين يديه فقال: «ردوه لا حاجة لي فيه. التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والذهب بالذهب، والفضة بالفضة، يدًا بيد، عينًا بعين، مثلًا بمثل فمن زاد فهو ربًا» ثم قال: «كذلك ما يكال ويوزن أيضًا» إلى آخره.
ثم قال الحاكم رحمه الله: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذه السياقة. وهذا الحديث الذي قال الحاكم إنه صحيح الإسناد، فيه التصريح بأن ما يكال ويوزن يباع مثلًا بمثل، يدًا بيد. وقد قدمنا مرارًا أن الموصولات من صيغ الغموم لعمومها في كل ما تشمله صلاتها.
فأبو حنيفة مثلًا القائل بالربا في الأشنان متمسك بظاهر هذا الحديث. فهو أقرب إلى ظاهر النص من الظاهرية المستهزئين به الزاعمين أنه بعيد في ذلك عن النص.
فإن قيل: هذا الحديث لا يحتج به لضعفه، وقد قال الذهبي متعقبًا على الحاكم تصحيحه للحديث المذكور ما نصه: قلت: حيان فيه ضعف وليس بالحجة، وقد أشار البيهقي إلى تضعيف هذا الحديث، وأعله ابن حزم من ثلاثة أوجه: الأول زعمه أنه منقطع. لأن أبا مجلز لم يسمع من أبي سعيد ولا من ابن عباس. الثاني أن في الحديث أن ابن عباس رجع عن القول بإباحة ربا الفضل. واعتقاد ابن حزم أن ذلك باطل لقول سعيد بن جبير إن ابن عباس لم يرجع عن ذلك. والثالث أن حيان بن عبيد الله المذكور في سند هذا الحديث مجهول.
فالجواب عن ذلك كله هو ما ستراه الآن إن شاء الله، وهو راجع إلى شيئين: الأول مناقشة من ضعف الحديث، وبيان أنه ليس بضعيف. والثاني أنا لو سلمنا ضعفه تسليمًا جدليًا فهو معتضد بما يثبت الاحتجاج به من الشواهد.
أما المناقشة في تضعيفه، فقول الذهبي: إن حيان فيه ضعف وليس بالحجة معارض بقول أبي حاتم فيما ذكره عن ابنه في كتاب الجرح والتعديل: إنه صدوق، ومعلوم أن الصحيح أن التعديل يقبل مجملًا، والتجريح لا يقبل إلا مبينًا مفصلًا كما هو مقرر في علوم الحديث. وقد ترجم له البخاري في تاريخه الكبير ولم يذكر فيه جرحًا. وإعلال ابن حزم له بأنه منقطع. وأن حيان مجهول قد قدمنا مناقشته فيه في سورة البقرة لأن أبا مجلز أدرك ابن عباس وسمع عنه.
قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل في أبي مجلز المذكور: وهو لاحق بن حميد السدوسي البصري، توفي أيام عمر بن عبدالعزيز، وروى عن ابن عمر وابن عباس وأنس وجندب الخ، وتصريحه بروايته عن ابن عباس يدل على عدم صحة قول ابن حزم: إنه لم يسمع من ابن عباس، وقال البخاري في تاريخه الكبير في لاحق بن حميد المذكور: أبو مجلز السدوسي البصري مات قبل الحسن بقليل، ومات الحسن سنة عشر ومائة، سمع ابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك إلخ. وفيه تصريح البخاري بسماع أبي مجلز من ابن عباس، ومع هذا فابن حزم يقول: هو منقطع لعدم سماعه منه. وأما أبو سعيد فلا شك أنه أدركه أبو مجلز المذكور، والمعاصرة تكفي ولا يشترط ثبوت اللقي على التحقيق. كما أوضحه مسلم بن الحجاج رحمه الله في مقدمة صحيحه.
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب في أبي مجلز المذكور: روى عن أبي موسى الأشعري، والحسن بن علي، ومعاوية. وعمران بن حصين، وسمرة بن جندب، وابن عباس، والمغيرة بن شعبة، وحفصة، وأم سلمة، وأنس، وجندب بن عبدالله، وسلمة بن كهيل، وقيس بن عباد وغيرهم.
وأرسل عن عمر بن الخطاب. وحذيفة إلخ. ومما يوضح معاصرة أبي مجلز لأبي سعيد: أن جماعة من هؤلاء الصحابة الذين ذكر ابن حجر أنه روى عنهم ماتوا قبل أبي سعيد رضي الله عنهم. فأبو سعيد رضي الله عنه توفي سنة ثلاث أو أربع أو خمس بعد الستين، وقد مات قبله الحسن بن علي، وأبو موسى الأشعري، وعمران بن حصين، ومعاوية وسمرة بن جندب كما هو معلوم.
وأما قول ابن حزم: إنه مجهول فقد قدمنا مناقشة السبكي له في تكملة المجموع، وأنه قال: فإن أراد ابن حزم أنه مجهول العين فليس بصحيح، بل هو رجل مشهور، روي عنه حديث الصرف هذا روح بن عبادة، ومن جهته أخرجه الحاكم، وذكره ابن حزم وإبراهيم بن الحجاج الشامي، ومن جهته رواه ابن عدي ويونس بن محمد، ومن جهته رواه البيهقي وهو حيان بن عبيد الله بن حيان بن بشر بن عدي بصري، سمع أبا مجلز لاحق بن حميد والضحاك وعن أبيه، وروى عن عطاء وابن بريدة، روى عنه موسى بن إسماعيل ومسلم بن إبراهيم، وأبو داود وعبيدالله بن موسى، عقد له البخاري وابن أبي حاتم ترجمة فذكر كل منهما بعض ما ذكرته. وله ترجمة في كتاب ابن عدي كما أشرت إليه، فزال عنه جهالة العين. وإن أراد جهالة الحال فهو قد رواه من طريق إسحاق بن راهويه فقال في إسناده: أخبرنا روح قال: حدثنا حيان بن عبيد الله، وكان رجل صدق. فإن كانت هذه الشهادة له بالصدق من روح بن عبادة فروح محدث نشأ في الحديث، عارف به، مصنف متفق على الاحتجاج به، بصري بلدي للمشهور له فتقبل شهادته له. وإن كان هذا القول من إسحاق بن راهويه فناهيك به، ومن يثني عليه إسحاق! وقد ذكر ابن أبي حاتم حيان بن عبيد الله هذا، وذكر جماعة من المشاهير ممن رووا عنه وممن روى عنهم، قال: إن سأل أباه عنه فقال: صدوق. اهـ من تكملة المجموع كما قدمناه في سورة البقرة. والذي رأيت في سنن البيهقي الكبرى: أن الراوي عن حيان المذكور في إسناده له إبراهيم بن الحجاج، وقال صاحب الجوهر النقي: وحيان هذا ذكره ابن حيان في الثقات من أتباع التابعين. وقال الذهبي في الضعفاء: جائز الحديث. وقال عبدالحق في أحكامه: قال أبو بكر الزار: حيان رجل من أهل البصرة مشهور وليس به بأس. وقال فيه أبو حاتم: صدوق. وقال بعض المتأخرين فيه: مجهول. ولعله اختلط عليه بحيان بن عبيد الله المروي، وبما ذكر تعلم أن دعوى ابن حزم أن الحديث منقطع، وأن حيان المذكور مجهول ليست بصحيحة.
وأما دعواه عدم رجوع ابن عباس لقول سعيد بن جبير: إنه لم يرجع عن القول بإباحة ربا الفضل فقد قدمنا الروايات الواردة برجوعه مستوفاة في سورة البقرة عن جماعة من أصحابه، ولا شك أنها أولى من قول سعيد بن جبير. لأنهم جماعة وهو واحد، ولأنهم مثبتون رجوعه وهو نافيه، والمثبت مقدم على النافي. وأما شواهد حديث حيان المذكور الدال على أن الربا في كل ما يكال ويوزن فمنها ما قدمنا في سورة البقرة من حديث أنس وعبادة بن الصامت عند الدارقطني: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما وزن مثل بمثل إذا كان نوعًا واحد، وما كيل فمثل ذلك. فإذا اختلف النوعان فلا بأس به» وقد قدمنا في سورة البقرة قول الشوكاني: إن حديث أنس وعبادة هذا أشار إليه ابن حجر في التلخيص ولم يتكلم عليه، وفي إسناده الربيع بن صبيح وثقه أبو زرعة وغيره، وضعفه جماعة، وقد أخرج هذا الحديث البزار أيضًا. ويشهد لصحته حديث عبادة المذكور أولًا وغيره من الأحاديث انتهى منه كما تقدم. وفي هذا الحديث المذكور دليل واضح على أن كل ما يكال أو يوزن فيه الربا وإن سخر الظاهرية ممن يقول بذلك، ومن شواهد حديث حيان المذكور الحديث المتفق عليه. قال البخاري في صحيحه في كتاب الوكالة: حدثنا عبدالله بن يوسف، أخبرنا مالك عن عبدالمجيد بن سهيل بن عبدالرحمن بن عوف، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلًا على خيبر فجاءهم بتمر جَنِيبٍ، فقال: «أَكُلُّ تمر خيبر هكذا»؟ فقال: إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصَّاعين، والصَّاعين بالثلاثة، فقال: «لا تفعل بع الجميع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا»، وقال في الميزان مثل ذلك. انتهى منه.
ومحل الشاهد منه قوله: وقال في الميزان مثل ذلك، ومعناه ظاهرٌ جدًّا في أن ما يوزن بالميزان مثل ذلك في منع الربا. وقد قدمنا أقوال من أول هذا الحديث وصرفه عن المعنى المذكور في سورة البقرة. وقال مسلم بن الحجاج في صحيحه: أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث أن أبا هريرة وأبا سعيد حدثاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أخا بني عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر، فقدم بتمر جنيب. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَكُلُّ تمر خيبر هكذا؟» قال: لا والله يا رسول الله، إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تفعلوا ولَكِن مثلًا بمثل، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان»انتهى منه. وقوله في هذه الحديث المتفق عليه «وكذلك الميزان» ظاهر جدًّا في أن ما يوزن كما يكال، وأن في ذلك كله الربا. ولا شك أن هذه الأحاديث التي عمل بها بعض الأئمة وإن استهزأ بهم الظاهرية في ذلك أقرب إلى ظاهر النص من قول الظاهرية: إنه لا ربا إلا في الستة المذكورة قبل. والمقصود التمثيل لأحوالهم مع الأئمة المجتهدين رحمهم الله.